تريد أن تكتشف ماذا سيحدث؟ عليك الاستماع إلى ليلى عبد اللطيف أو مايك فغالي أو ميشيل حايك وغيرهم، فذلك سيريحك من الدراسة المعمقة ومتابعة الأخبار؛ لأن المعلومات ستقدم إليك على طبق من ذهب.
هكذا يقول أنصار المنجمين، ويرون أنهم تقدموا على المحللين السياسيين، في تحديد مواعيد نشوب الحروب والاغتيالات، كما سبقوا منظمة الصحة العالمية في توقع الكوارث والأوبئة وموجات تسونامي.
ورغم أن الحديث النبوي الشريف يقول “كذب المنجمون ولو صدقوا”، إلا أن جزءًا كبيرًا من”خير أمة أخرجت للناس”، يصدق المنجمين ويعمل بنصائحهم، ويغير خططه بناءً على أحاديثهم.
توقعات حصلت
ونال بعض المنجمين، شهرة كبيرة بسبب نجاح بعض تنبؤاتهم، فراحت محطات التلفزة تستضيفهم مجددًا، كما ازدهرت هذه المهنة عبر ظهور أسماء جديدة من المنجمين.
ومن أمثلة نجاح المنجمين في توقعاتهم، حصول ما حذرت منه ليلى عبد اللطيف في بداية عام 2024، أثناء لقاء مع قناة الجديد، عندما قالت: “إنّ هناك اغتيالًا سياسيًا سيطال أحد الشخصيات البارزة في لبنان، وإن هذا العام هو عام سقوط الشخصيات البارزة ورحيل الكبار من رجال السياسة”؛ وهو ما أدى إلى شهرتها وانتشارها على السوشيال ميديا.
وفي بداية العام أيضًا، قال المنجم ميشال حايك، إنه يرى “إسرائيل” في لبنان، وأضاف: “هناك هستيريا في حزب الله؛ بسبب خروج موبايل فون عن سيطرة صاحبه، وهناك اغتيالات لعدة شخصيات لها علاقة بالحزب”.
ونال حايك شهرة كبيرة، بعد أن حصلت تفجيرات “البيجر” في لبنان، وتطورت الحرب إلى اجتياح بري إسرائيلي للجنوب، كما اغتيلت عدة شخصيات سياسية مثلما حذر!.
ومن الأمثلة التي نالت شهرة إثر توقعاتها، كانت هبا مبارك، التي تعتمد على الأحرف والأرقام في توقع الأحداث، فقد قالت بداية العام على قناتها في اليوتيوب: “هذا العام يتألف من 8 أرقام، وكوكبه زحل، وله عدة أحرف من بينها الضاد وهو أقواها، لهذا فهو عام الضحايا، وعام العرب لأنهم أصحاب لغة الضاد”.
كيف تصدق توقعات المنجمين؟
تقول الباحثة الاجتماعية أليسار فندي لـ”إرم نيوز”: “علميًا، لا يمكن لأحد التنبؤ بالمستقبل، وإذا عدنا إلى توقعات المنجمين، نجدهم يتحدثون ساعات طويلة، ويتوقعون الكثير من الأشياء التي لا يحدث معظمها، لكن يمكن أن يحصل بعض ما توقعوه بالمصادفة”.
وتعتقد أليسار فندي، أن المنجمين، متابعون دائمون للتطورات والأحداث، وبالتالي فإن توقعاتهم مبنية على فرضيات مستمدة من تلك المتابعات، لكن هذا لا يعني أنهم يعلمون الغيب.
وتمتلئ صفحات السوشيال ميديا، باتهامات توجه للمنجمين، على أنهم يتبعون جهات معينة ويخدمون سياساتها، عبر الترويج للأفكار والتمهيد للأحداث، حيث يتركز دورهم في التأثير على الرأي العام.
لكن في المقابل، هناك الكثير من توقعات المنجمين، فشلت، ومنها ما تنبأ به مايك فغالي، الذي قال بداية العام، إن الاستقرار والانتعاش الاقتصادي سيعود إلى المنطقة، لكن ما حصل لاحقًا، هو الحرب والتدهور المالي.
منجمو السياسة والأحداث
ويزدهر سوق المنجمين، أثناء الأحداث الكبرى، مثل الحروب والكوارث والأمراض الوبائية، فيبدأ معظمهم بصناعة “ترند” يجلب الجمهور لتزيد نسبة متابعته.
وتطور عمل المنجمين، ليدخل السياسة وعلم الطبوغرافيا والاقتصاد وأحوال البورصة، فصار هناك منجمون يركزون على الزلازل، وآخرون يرشدون المستثمرين إلى ارتفاع سعر الذهب أو انخفاضه. عدا عن توقعاتهم الشخصية للأفراد، لتحديد حظوظهم من الثروة والصحة!.
وتقول الباحثة أليسار فندي: “نقرأ أن المنجمة الفلانية انهارت بالبكاء بسبب ما سيحصل خلال الأشهر القادمة، أو أن منجمًا آخر حذر سكان هذا البلد من الأحداث الخطيرة التي تنتظرهم، لكن هذا كله كلام لا أساس له من العلم”.
وتدأب محطات الإعلام، على بث التنبؤات التي نجح المنجمون في توقعها، من أجل الحصول على متابعات أكثر، كما تشرع محطات أخرى بإجراء لقاءات جديدة معهم.
المنجمتان ماغي فرح، وكارمن شماس، كانتا أكثر توازنًا في التوقعات، لكن ذلك أثر على متابعتهما من قبل الجمهور، بسبب غياب “التريند” المثير لديهن. فالجمهور ظل مسحورًا بـ”الأكشن” والمثير، على حساب المنطق.
ولا يستغرب متابع السوشيال ميديا، عندما يقرأ عبارة “استعدوا للهرب، فالقادم أعظم” التي يطلقها البعض أثناء الحروب والكوارث، فيأخذ التنجيم شكل الاستثمار بهلع الجمهور الذي يدفعه الخوف للتصديق.
التنجيم ليس جديدا عند العرب والعالم
ولا يعتبر التنجيم جديدا عند العرب، فقد اشتهر لديهم المتنبئ “أبو معشر البلخي” “805-885″، لكن التنجيم، اختلط بعلم الفلك، فدحضه علماء مهمون مثل الفارابي وابن سينا وابن رشد.
وتضيف الباحثة أليسار فندي: “تناول العلامة ابن خلدون تلك الظواهر، واعتبرها من علامات تدهور المجتمعات، حيث يبدأ التراجع بالابتعاد عن العلم واللحاق بالخرافات والإشاعات”.
ومن طرائف العصر الحديث، ما قامت به صحيفة “ديلي ستار” البريطانية، عندما استحضرت المنجم الفرنسي الشهير نوستراداموس الذي عاش في القرن السادس، عبر تقنية الذكاء الاصطناعي، وبدأت تسأله عن توقعاته اليوم!.
وأثر التنجيم، على سياسة العديد من قادة العالم، وعُرف عن الرئيس الأميركي رونالد ريغن، استشارته للمنجم الشهير كارول رايتر، كما اعتمدت ملكة بريطانيا إليزابيث الأولى على المنجم جون دي، وسبق للرئيس الفرنسي شارل ديغول، أن استعان بالمنجمين في الستينيات، وقلده في ذلك الرئيس ميتران.
كيف يحصل ذلك؟
تؤكد الباحثة الاجتماعية أليسار فندي، أن الإنسان يمتلك قدرات كثيرة لم يستخدم معظمها بعد، لكن البحث العلمي لم يثبت أن كشف الغيب من بينها.
وبالنسبة للمنجمين، فقد تحول هذا العمل إلى مهنة تدرّ المال، فكسب المتابعين على السوشيال ميديا، يعني المزيد من المرابح المالية، وهذا ما جعلهم يغرقون في التوقعات المثيرة لجذب الجمهور.
العرب اليوم، يبدون معوّلين على التنجيم كثيرًا، في فهم المشهد السياسي والاقتصادي واحتمالات تطور الأحداث، وترى الباحثة فندي، أن ذلك يحصل بسبب فشلهم الذريع في إعداد الخطط وتحقيق الإنجازات على أرض الواقع.