أعاد رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، «مشروع الدستور» الذي سبق وأعدّته هيئة منتخبة، إلى واجهة الأحداث، بعدما أمهل رئيس المفوضية الوطنية للانتخابات، عماد السايح، 30 يوماً لاتخاذ إجراءات قانونية من بينها الاستفتاء الشعبي على الدستور.
ويرى متابعون أن هذا التحرك سيدشن فصلاً جديداً من المعارك المستمرة بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب، على مدار أكثر من عام حول الصلاحيات المنوطة بهما. ويخشى هؤلاء أن يزيد المطلب الرئاسي من إرباك المشهد السياسي، في ظل ترقب لقرب إعلان البعثة الأممية مقترحات لجنتها الاستشارية المتعلقة بمعالجة الانسداد الراهنة والتمهيد لإجراء الانتخابات.
وجاءت مطالب «الرئاسي» بالاستفتاء بعد يوم واحد من إصداره 3 مراسيم تقضي بإلغاء العمل بقانون المحكمة الدستورية الصادر عن البرلمان، وتشكيل «المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني»، بالإضافة إلى قرار بانتخاب «المؤتمر العام للمصالحة الوطنية».
ويرى عضو مجلس النواب الليبي علي التكبالي، أن المنفي «يلجأ إلى إحياء فكرة الاستفتاء على مشروع الدستور؛ بالتنسيق مع حليفه عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة» المؤقتة، كلما لاح في الأفق مسار سياسي «قد يؤدي إلى انتهاء أجل معظم السلطات الحاكمة». وتمسك التكبالي بموقف مجلسه في أن «صلاحيات (الرئاسي) لا تمنحه الحق فيما يتخذه من خطوات في المسار السياسي»، مشيراً إلى أن «مناخ عدم الاستقرار في ليبيا واحتدام الخلاف بين الأفرقاء، لم يمكنا مفوضية الانتخابات من الاستفتاء طوال السنوات الماضية».
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان؛ الأولى «الوحدة» في طرابلس بغرب ليبيا، والثانية مكلفة من البرلمان وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، وتدير مناطق الشرق وبعض مدن الجنوب، ويرأسها أسامة حماد.
وفيما يتعلق بمدى تفعيل نتيجة الاستفتاء حال إجرائه وإقراره بـ«نعم» على الدستور، تساءل التكبالي: «هل هناك جهة يمكن أن تلزم المجموعات المسلحة بما سيرد به من قوانين تتعلق بحصر السلاح في يد سلطات الدولة؟». وعبر أن أسفه، وقال إن «مناخ الاضطرابات لا يزال يسود ليبيا؛ وهو ما يبرز جلياً في عدم التقيد بالقوانين التي يصدرها البرلمان؛ فضلاً عن تكرار حوادث الاعتداء على الشخصيات السياسية والعسكرية».
وتضمن خطاب المنفي الذي أصدره نهاية الشهر الماضي أيضاً مطالبة «المفوضية الوطنية» بإجراء استفتاء شعبي على قرار مجلس النواب بالتمديد لنفسه، واتخاذ الإجراءات اللازمة لملء المقاعد الشاغرة به.
وكانت محكمة استئناف بنغازي قد قضت، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بوقف نفاذ قرار المنفي بشأن إنشاء «مفوضية الاستفتاء»، وتعيين مجلس إدارة لها، وأعلنت المحكمة قبولها شكلاً للطعن المقدم من حكومة حمّاد، التي اتهمت «الرئاسي» بتجاوز صلاحياته.
في مقابل ذلك، عبر أغلب أعضاء الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور، عن دعمهم مطالبة المنفي مفوضية الانتخابات بتنفيذ الاستفتاء؛ «حتى لو كانت خطوة متأخرة»، كما وصفها بعضهم، ففيما يتعلق بمدى اختصاصات «الرئاسي» للمطالبة بالاستفتاء، دافع عضو الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور ضو المنصوري، عن «شرعية وامتلاك المجلس الرئاسي صلاحية القيام بتلك الخطوة».
وقال المنصوري لـ«الشرق الأوسط»، إن المنفي «يعدّ رئيس السلطة التنفيذية؛ وبالتالي من حقه حث أي جهة أو مؤسسة على تنفيذ ما تضطلع به من واجبات قانونية؛ وهذا ما برز بخطابه الموجه لعماد السايح». ويرى المنصوري أنه «بات يتوجب على (المفوضية) إعلان مبرراتها لـ(الرئاسي) بشأن عدم إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المُعد في منتصف عام 2017 من قبل لجنة منتخبة من الشعب»، وقال إن تنفيذ الاستفتاء وإقرار دستور للبلاد «يمثل الحل الرئيسي لإجراء الانتخابات؛ رئاسية وبرلمانية، وفق قواعد متفق عليها».
وتطرق المنصوري إلى مقترحات اللجنة الاستشارية المنتظرة، وعدّها «اجتهاداً غير ملزم». واستبعد المنصوري أن يكون هدف المنفي من المطالبة بطرح الدستور للاستفتاء، رغبته في البقاء بالسلطة، وقال: «إذا تم إقرار الدستور، فلن يكون هناك أي سبب لعرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وسوف ترحل كل الأجسام الراهنة؛ ومنها (الرئاسي)».
ويلفت كثير من الأصوات السياسية إلى تبعية (المفوضية الوطنية) للبرلمان، مما يرشح معارضته لإجراء الاستفتاء في مناطق نفوذ الحكومة المكلفة من قبله في شرق ليبيا وجنوبها.
وكان مجلس النواب الليبي أنهى في منتصف أغسطس (آب) الماضي، ولاية السلطة التنفيذية التي أفرزها «ملتقى الحوار السياسي»؛ وهي حكومة «الوحدة» والمجلس الرئاسي، مما يبقي الباب مفتوحاً لمزيد من المناكفات بين الطرفين، الأمر الذي ينعكس على فكرة الاستفتاء على مشروع الدستور.
التعليقات