
وسط جبال “البومة” جنوب غرب بولندا، تختبئ شبكة أنفاق هائلة بناها النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية، في مشروع لا يزال يثير تساؤلات محيرة حتى اليوم. يُعرف هذا المشروع باسم “ريزه” (Riese) – وتعني “العملاق” بالألمانية – وقد استخدم فيه النازيون آلاف العمال القسريين، قُتل منهم نحو 5,000 شخص أثناء العمل الوحشي في ظروف قاسية.
ما هو مشروع ريزه؟
بدأ النازيون عام 1943 ببناء مجمع أنفاق تحت الأرض باستخدام عمال من معسكر الاعتقال “غروس-روزن”، على أمل إنشاء منشآت عسكرية محصنة من قصف الحلفاء، وربما مقرات سرية للرايخ الثالث نفسه. ورغم ضخامة المشروع، لم يُستكمل، وظل جزء كبير منه غير مكتشف حتى الآن.
يتكون المشروع من سبعة مجمعات تحت الأرض، من أبرزها مجمع “أوسوفكا” (Osówka) الذي يضم شبكة أنفاق تمتد لمسافة 1.8 كيلومتر. تحتوي على سكك حديدية، قاعات للطعام، مولدات كهرباء، وقاعة خرسانية ضخمة بارتفاع 10 أمتار، وبئر مصعد يُعتقد أنه كان مخصصًا لخدمة 16 طابقًا.
هل كان المقر السري لهتلر؟
بحسب زجيسواف لازانوفسكي، وهو مرشد سياحي يعمل في الموقع، فإن إحدى الفرضيات القوية تشير إلى أن الموقع كان مُعدًا ليكون مقر قيادة الجيش والمقر الرئيسي لهتلر. لكنه أضاف:
المشروع لم يكتمل، وتم تدميره جزئيًا عند انسحاب القوات النازية، ولا تزال بعض أجزائه تحت الأنقاض بعمق مترين أو أكثر.
أسلحة سرية أم مصانع تحت الأرض؟
وثائق نازية تم العثور عليها في براغ تشير إلى أن المشروع كان بحاجة إلى عام إضافي من العمل لاستكماله، وقد يكون الهدف النهائي منه إنشاء مصانع أسلحة سرية، أو حتى منشآت لتطوير صواريخ V1 وV2.
من بين الهياكل الغريبة داخل الموقع: كتلة خرسانية مدفونة تحتوي على أنابيب ومصارف، بالإضافة إلى بئر منفصل يضم سدًا ومعدات هيدروليكية، ولا يُعرف الغرض منها حتى الآن.
أساطير “قطار الذهب” و”غرفة العنبر”
يدور حول المشروع الكثير من الأساطير، أبرزها أسطورة “قطار الذهب النازي”. وتقول الرواية إن قطارًا محمّلًا بالمجوهرات والكنوز خرج من القرى المجاورة واختبأ داخل الأنفاق هربًا من تقدم الجيش السوفيتي. لا تزال عمليات البحث مستمرة، لكن لم يُعثر على أي أثر للقطار حتى الآن، رغم وجود وثائق تشير إلى نقل الأموال من بنك مدينة فروتسواف في يناير 1945.
كما يعتقد البعض أن الأنفاق قد تحتوي على “غرفة العنبر” الشهيرة، وهي تحفة فنية من الكهرمان والذهب أهدتها ألمانيا القيصرية لروسيا في القرن الثامن عشر، ونهبها النازيون خلال الحرب ولم تُكتشف منذ ذلك الحين.
شهادة على الجرائم النازية
رغم أن هتلر نفسه لم يزر الموقع، إلا أن وزير التسليح الشهير ألبرت شبير قام بتفقده، مما يعكس أهمية المشروع. ويؤكد المرشد لازانوفسكي أن الأنفاق تمثل شاهدًا حيًا على معاناة العمال الذين أُجبروا على بنائها:
نعمل على إظهار الصورة الكاملة للزوار: عظمة المشروع من ناحية، وقسوته على من بنوه من ناحية أخرى.
مشروع نازي لم يكتمل وتحول إلى متحف للذاكرة
في 8 مايو 1945، أي بعد يوم من انسحاب القوات النازية من المشروع، اقتحمت القوات السوفيتية المنطقة، لكنها لم تستغل الموقع بل نهبت المعدات المتبقية.
اليوم، تبقى أنفاق ريزه رمزًا للغموض، وقصة موازية لتاريخ الحرب العالمية الثانية: طموح نازي هائل، قسوة بشرية، وكنوز ضائعة لم تظهر بعد.
التعليقات