
في خضم المعارك المستعرة في قطاع غزة، ووسط كارثة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم، أطلّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمبادرة جديدة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، وسط ترحيب حذر وتشكيك واسع، لا سيما من الجانب الفلسطيني.
ورغم أن المبادرة تتضمن تهدئة تمتد إلى 60 يومًا وتبادلًا للأسرى، إلا أنها تغفل تمامًا جوهر القضية الفلسطينية.. إنهاء الاحتلال، وحق تقرير المصير، والدولة المستقلة.
ماذا يتضمن المقترح؟
يقترح ترامب وقفًا لإطلاق النار يبدأ فور موافقة حماس، تتبعه مفاوضات برعاية أمريكية لبحث “إنهاء دائم للحرب”. في المقابل، يتم إطلاق سراح 10 رهائن إسرائيليين و18 جثة، مقابل 125 سجينًا فلسطينيًا محكومين مؤبدًا، و1111 معتقلًا من غزة.
يدخل الاتفاق حيز التنفيذ خلال يومين من التوقيع، وتشمل أولى خطواته إدخال مساعدات إنسانية عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر، بينما تُستبعد مؤسسات مثل “غزة الإنسانية” التي كانت محل جدل.
ويُفترض أن يقود المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف مفاوضات وقف إطلاق النار الدائم، على أن يعلن ترامب شخصيًا نجاح المبادرة — ما اعتبره كثيرون استثمارًا سياسيًا مباشرًا في ملف ملتهب.
غزة: هدنة مفروضة تحت النار
بالنسبة لحماس والفصائل الفلسطينية، فإن جوهر الرفض لا يتعلق بالتهدئة نفسها، بل بغياب أي ضمانات لانتهاء الاحتلال أو الانسحاب الإسرائيلي من القطاع. المبادرة، كما وصفها أحد قياديي الحركة، “تسعى لإسكات البنادق مؤقتًا، بينما تواصل الحرب بشكل آخر”.
في الضفة الغربية أيضًا، عبّرت قوى فلسطينية عن مخاوفها من أن تتحول التهدئة إلى “إدارة طويلة للأزمة”، دون التزام سياسي واضح بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.
الشارع الفلسطيني بين الأمل والخوف
داخل غزة، استُقبلت الأنباء بارتياح حذر، فالناس الذين يعيشون منذ أشهر تحت القصف، يتشبثون بأي بارقة أمل لوقف الدمار. لكن في المقابل، يسود الاعتقاد بأن التهدئة مجرد هدنة مؤقتة سرعان ما تنتهي دون تحقيق شيء جوهري.
“لا نريد فقط وقف القصف، نريد أن نعيش بكرامة وحرية”، يقول محمد، أحد سكان خان يونس الذي فقد منزله في الغارات الأخيرة.
ترحيب حذر وتحفظ دبلوماسي
مصر وقطر، الراعيان الإقليميان للملف الفلسطيني، رحّبتا بالمبادرة لكنهما شددتا على ضرورة أن تفضي إلى عملية سياسية حقيقية، وليس فقط تبريدًا لجبهة غزة.
السعودية دعت إلى تجاوز الهدنة نحو حل جذري، يتضمن الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، ووقف الاستيطان، ورفع الحصار عن القطاع.
في المقابل، شهدت إسرائيل جدلًا داخليًا واسعًا، خصوصًا من قبل وزراء اليمين المتطرف الذين يعتبرون أي تهدئة دون اجتثاث حماس “فشلًا عسكريًا وسياسيًا”.
التهدئة ليست حلًا
قد تكون مبادرة ترامب محاولة لكسر دوامة العنف، لكنها تُبقي على جذور الصراع دون مساس. وقف إطلاق النار دون التزامات سياسية واضحة يعيد إنتاج نفس الأزمة لاحقًا.
ومن دون الاعتراف الفعلي بالحقوق الفلسطينية، فإن كل هدنة ستظل مؤقتة، وكل تهدئة لن تكون سوى مقدمة لانفجار جديد.
الخلاصة: لا هدنة حقيقية بدون عدالة .. ولا عدالة بدون دولة فلسطينية.
التعليقات