
مصر بين مخططات التفخيخ وصيانة الهيبة الحضارية
بينما كانت الأنظار تتجه نحو الهضبة غرب القاهرة، حيث يستعد المتحف المصري الكبير لفتح أبوابه كأكبر صرح أثري في العصر الحديث، فُوجئ الرأي العام بقرار الدولة بتأجيل الافتتاح – القرار الذي تلقاه البعض بخيبة أمل، فيما رآه آخرون ضربة استباقية ذكية تحمي مشروعًا وطنيًا من التلوث الأمني والفوضى الإقليمية.
لسنا في زمنٍ يمكن فيه فصل الثقافة عن الأمن القومي. ولسنا في زمن يمكن فيه الوثوق بالعناوين الإنسانية العابرة للحدود دون أن نضع في الاعتبار حقيقة الواقع الميداني.
قرار التأجيل – وإن بدا محبطًا في ظاهره – إلا أنه جاء بعد سلسلة من الضربات الأمنية الاستباقية الخطيرة:
إحباط تسلل قافلة إرهابية على الحدود الغربية، ضبط بحوزتها 116 جهاز تفجير عن بعد وأجهزة ثريا للأقمار الصناعية.
الكشف عن شبكة تجسس عابرة للجنسيات، على صلة بجماعة “المرابطون” التي أسسها الإرهابي هشام عشماوي، الفار منذ معركة درنة عام 2020.
حادث الإسماعيلية الأخير، الذي سلط الضوء على خطورة تسرب اللاجئين والمجنسين، ممن تحوّل بعضهم إلى قنابل موقوتة تهدد الداخل.
وتتوالى التقارير عن محاولات تسلل أجانب من شرم الشيخ إلى العريش، عبر طرق ملتوية وبمساعدة من جهات داخلية، في مخطط تفكيكي واضح المعالم.
كل تلك الوقائع تؤكد أن المشهد لا يحتمل التجميل، وأن الأمن يسبق الافتتاح، والسيادة تسبق الصورة الحضارية.
وفي هذا السياق، لم يكن تأجيل الافتتاح سوى قرارًا من ذهب.. صدر في لحظة رصاص.
من الحاضر إلى العمق الإستراتيجي
الأحداث الجارية تشير إلى أن غزة لم تعد مجرد ملف إنساني، بل أصبحت – للأسف – ممرًا مقصودًا لاختراق الأراضي المصرية، تحت غطاء النزوح والمساعدات.
خطة 7 أكتوبر لم تكن تهدف فقط لزعزعة أمن إسرائيل، بل لإجبار مصر على فتح حدودها كحل ميداني لأزمة مصطنعة، تُراد بها إعادة رسم خريطة المنطقة لصالح توسعة إسرائيل وحدودها الاستراتيجية.
لكن القاهرة، بما تمتلكه من خبرات وتجارب تاريخية، رفضت أن تكون الساذج الذي يفتح بواباته لينزف من داخله.
في الختام..
تأجيل المتحف الكبير – كما نؤكد في هذه الافتتاحية – ليس تأخيرًا في الإنجاز، بل تمكينٌ للإنجاز من أن يُعرض أمام العالم في لحظة نصر، لا لحظة خطر.
وحين يُفتتح المتحف، سيكون ذلك في ظل دولة مستقرة، متماسكة، اختارت أن تصون أسرارها لا أن تفرّط فيها، وأن تحمي زوارها لا أن تغامر بوجودهم.
لقد أثبتت الدولة المصرية أنها خزينة الأسرار، ووصية على التاريخ، وحارسة على الحاضر.
وستُفتتح القاعة، وسيتحدث التاريخ، وسنرى النسر وهو يُحلّق عاليًا من جديد.
التعليقات