التخطي إلى المحتوى
” طلع البدر علينا” لم تنشد في الهجرة؟ بين الحقيقة التاريخية والصورة السينمائية أيهما أصدق!


تحل علينا اليوم ذكرى هجرة الرسول الكريم “محمد صلى الله عليه وسلم” من مكة إلى المدينة، فمنذ 1447 عامًا كانت هجرة نبي الله، وفي ثقافتنا ووعينا الجمعي ارتبطت الهجرة بـ أنشودة ” طلع البدر علينا” باعتبارها أنشودة استقبال أهل المدينة للنبي الكريم، ولعل ظهور هذه الأنشودة في الأعمال السينمائية والتليفزيونية وتكرارها أدى إلى ترسيخها في العقل الجمعي؛ ومع هذا التكرر برز جدلًا علمي حول مدى صدق هذه الواقعة تاريخيًا وهل السياق الذي قيلت فيه كان في الهجرة أم أن هناك سياقًا أخر قيلت فيه؟


بالعودة إلى نص الأنشودة نجدها تقول ” طلع البدر علينا..من ثنيّات الوداع..وجب الشكر علينا..ما دعى لله داع” ، تشير الرواية الأشهر للواقعة أن أهل المدينة قد خرجوا لاستقبال الرسول وهم ينشدوا هذه القصيدة ابتهاجًا بقدومه ” صلى الله عليه وسلم” وقد رسخت هذه الصورة في الذاكرة الشعبية عندما ذكرت في فيلم الرسالة لمؤلفه مصطفى العقاد عام 1976م فجاءت الأنشودة في الفيلم وقت دخول النبي إلى المدينة.

وبالعودة إلى ” سيرة ابن هشام” والطبقات الكبرى” وهي أحد المصادر التاريخية التي تناولت سيرة النبي وهجرته، نلحظ غياب هذه الأنشودة من السرد التاريخي وهو ما قاد فريقًا من الباحثين إلى نفي هذه الأنشودة من واقعة الهجرة، وقد استند هؤلاء إلى عدة أسباب منها غياب الموقع الجغرافي!
فجملة ” ثنايات الوداع” التي قيلت في الأنشودة هي إشارة إلى منطقة تقع شمال المدينة المنورة، بينما تؤكد معظم الروايات التاريخية أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة جاء من طريق قباء أي من الجهة الجنوبية للمدينة ما يطرح تساؤلات عن مدى توافق الأنشودة مع النطاق الجغرافي لحظة الهجرة.

بينما يرجح فريقٌ آخر من الباحثين أن هذه الأنشودة قيلت بالفعل للرسول الكريم ولكن في توقيت آخر غير توقيت الهجرة، ويذهب هؤلاء إلى العام التاسع من الهجرة عندما خرج النبي لغزوة تبوك وقد وقتًا طويلًا في هذه الغزوة فخرج أهل المدينة يستقبلونه بهذه الأنشودة باعتبار أن كلمة ” الوداع” هي ” ثنيات تُودع منها القوافل الوافدة من الجهة الشمالية للمدينة”.

وعلى كلًا فإن أنشودة ” طلع البدر علينا” وإن لم تتفق تاريخيًا مع حادثة الهجرة إلا أنها في الذاكرة الجمعية تمثل احتفالا بمقدم الرسول الكريم للمدينة ونشر الدعوة وقد لاقت قبولا لدى الجميع حتى إنها ترجمت إلى لغات عدة وتنشد في الاحتفالات والمناسبات الدينية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *