تحل ذكرى ثورة 30 يونيو هذا العام في ظل تطورات اقتصادية ملحوظة، تعكس نجاح مصر في الانتقال من مرحلة الإنقاذ الاقتصادي إلى مرحلة الانطلاق الفعلي نحو تحقيق التنمية المستدامة فشهدت مصر خلال السنوات الماضية خلال العقد الأخير جهودًا مكثفة لتحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز دور القطاع الخاص، وتنمية القطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها القطاع الصناعي الذي يمثل ركيزة أساسية في بناء اقتصاد قوي ومتوازن.
انطلاقة صناعية تدعمها رؤية وطنية
منذ عام 2013، شرعت الدولة في تنفيذ استراتيجية تنمية صناعية شاملة ضمن إطار رؤية “مصر 2030″، بهدف تحويل البلاد إلى مركز صناعي إقليمي من خلال تطوير المناطق الصناعية، ودعم محور قناة السويس، وزيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي.
وانعكست هذه الجهود في الأداء الإيجابي لمؤشرات القطاع، حيث سجل مؤشر الإنتاج الصناعي (باستثناء تكرير البترول) نموًا بنسبة 6% في الربع الأول من العام المالي 2024/2025، مقارنة بانكماش بلغ 7.7% في نفس الفترة من العام السابق. كما حقق قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية معدل نمو بلغ 17.7% في الربع الثاني، وهو الربع الثالث على التوالي الذي يسجل فيه القطاع أداءً إيجابيًا.
وساهمت هذه التطورات في دفع النمو الاقتصادي الكلي، حيث ارتفعت مساهمة الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.9 نقطة مئوية، مقارنة بسالب 1.4 نقطة مئوية في الفترة نفسها من العام المالي السابق.
قفزة كبيرة في الصادرات الصناعية
شهدت الصادرات الصناعية المصرية نموًا غير مسبوق، حيث ارتفعت بنسبة 73.8% لتسجل 32.5 مليار دولار في العام المالي 2023/2024، مقابل 18.7 مليار دولار في 2013/2014. ويُعد هذا التحول دلالة واضحة على تحسن تنافسية المنتج المصري في الأسواق الخارجية.
ومن أبرز القطاعات المساهمة في هذا النمو:
الصناعات الغذائية: تجاوزت صادراتها 6 مليارات دولار في 2024.
الصناعات الدوائية: تغطي 93% من احتياجات السوق المحلية، مع صادرات بلغت 600 مليون دولار.
الصناعات الكيماوية، والأسمدة، والملابس الجاهزة، والغزل والنسيج، والهندسية والإلكترونية: جميعها شهدت نموًا إيجابيًا خلال العام.
توسع ملحوظ في المناطق الصناعية
ارتفع عدد المناطق الصناعية في مصر بنسبة 21.5% خلال العقد الماضي، ليصل إلى 147 منطقة في 2024 مقابل 121 منطقة في 2014، ما يعكس تركيز الدولة على توفير بنية تحتية مناسبة ومحفزة لنمو القطاع الصناعي.
مصر بين أكبر وجهات الاستثمار الأجنبي في العالم

في عام 2024، سجلت مصر قفزة هائلة في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، لتحتل المركز التاسع عالميًا بعد أن استقطبت 47 مليار دولار، مقارنة بـ10 مليارات فقط في 2023. ويعود ذلك إلى تنفيذ عدد من المشروعات الكبرى، على رأسها مشروع رأس الحكمة، إلى جانب تحسين بيئة الاستثمار وزيادة الثقة في الاقتصاد المصري.
وسجلت البلاد صافي تدفق للداخل بقيمة 2.7 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي 2024/2025، بزيادة قدرها 15% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
حوافز قوية لدعم الاستثمار والإنتاج
دعمت الدولة هذا التوجه من خلال حزمة متكاملة من الحوافز والإجراءات التي شملت:
تمديد الحوافز الاستثمارية للمشروعات العقارية والخدمية في المدن الجديدة.
تخفيض سعر الفائدة على أقساط المطورين العقاريين إلى 15% حتى مايو 2026.
إطلاق مبادرة تمويل بقيمة 30 مليار جنيه بفائدة 15% لتحديث خطوط الإنتاج وشراء الآلات.
مبادرة “حوافز تميز الأداء في إدارة الاستثمار العام” لتحفيز المحافظات على تحسين بيئة الاستثمار.
توطين الصناعة وتعميق المكون المحلي
تمضي الدولة قدمًا في توطين الصناعات الاستراتيجية وزيادة المكون المحلي، خاصة في:
صناعة السيارات والجلود والأدوية والرخام.
مشروعات إعادة التدوير، مثل مصانع لإعادة تدوير الكاوتش والمخلفات الزراعية.
قطاع البتروكيماويات والصناعات البلاستيكية، بما في ذلك إنشاء مصانع مواسير ومستلزمات البناء.
مدن صناعية متخصصة مثل مدينة الروبيكي للجلود.
مسار واضح نحو التنمية
تؤكد هذه المؤشرات أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق التنمية المستدامة، اعتمادًا على تنويع مصادر النمو، وتمكين القطاع الصناعي، وتوفير بيئة استثمارية تنافسية. ومع استمرار تنفيذ الخطط الاقتصادية، والعمل على مواجهة التحديات الهيكلية، يتعزز موقع مصر كمركز صناعي واستثماري في المنطقة، مستفيدة من موقعها الجغرافي، وسوقها الكبير، والإصلاحات الجارية على مختلف المستويات.
التعليقات