التخطي إلى المحتوى
الحراس الصامتون.. أشجار المانجروف سلاح مصر الطبيعي ضد التغير المناخي


مانجروف

 

مانجروف

 

في صمت مهيب، تقف أشجار المانجروف على شواطئ البحر الأحمر كأنها حراس الزمن، لا تصرخ ولا تشتكي، لكنها تذود عن الأرض والماء والهواء. هذه الغابات الساحلية التي تنمو حيث يلتقي المالح بالعذب، وتحت ظل “المانجروف”، تنمو حلول بيئية قائمة على الطبيعة، وتُبنى جسور خضراء بين البيئة والتنمية، في مشروع وطني يعيد للبحر درعه الحي، ويحمي للأجيال سواحلها من الغرق والانهيار، مشروع مشترك بين وزارة البيئة و”بيئة بلا حدود” يثمر عن نتائج واعدة في استعادة غابات البحر الأحمر.

 

عادل سليمان: زراعة 12 ألف شتلة مانجروف بالبحر الأحمر.. والمشروع يضع مصر على خريطة الاقتصاد الأزرق

في خطوة عملية لتعزيز التكيف مع التغيرات المناخية، أعلنت جمعية “بيئة بلا حدود”، بالتعاون مع وزارة البيئة، عن أبرز نتائج المرحلة الأولى من مشروع استعادة أشجار المانجروف على سواحل البحر الأحمر، والذي يستهدف حماية النظم البيئية الساحلية وتحقيق أهداف الاقتصاد الأزرق.
وبحسب تقرير التقدم الفني الصادر عن الجمعية في يوليو 2025، فإن المشروع – الذي يُنفذ في إطار من الشراكة المؤسسية والمجتمعية – نجح في تحقيق خطوات ملموسة خلال أربعة أشهر، شملت تأهيل 3 مواقع رئيسية في محمية وادي الجمال (حماطة، القلعان، وأبوغصون)، وزراعة 12,000 شتلة من نوع Avicennia marina.

المانجروف
المانجروف

الدرع الأخضر

الدكتور عادل سليمان، رئيس جمعية “بيئة بلا حدود”، أكد أن المشروع يمثل أول تدخل حقيقي لإعادة إحياء غابات المانجروف منذ أكثر من 10 سنوات، مشيرًا إلى أن الفريق قام بإنشاء مشتل مركزي في منطقة حماطة، بطاقة إنتاجية مستقبلية تصل إلى 25,000 شتلة سنويًا.

وأوضح سليمان خلال انعقاد الورشة التدريبية التي أقامتها جمعية كتاب البيئة والتنمية بالتعاون مع جمعية بيئة بلا حدود بمحافظة الإسماعيلية، أن الجمعية استعانت بخبراء متخصصين، بالتنسيق مع فريق وزارة البيئة وإدارة المحميات، لضمان اختيار أفضل المواقع، وتطبيق الممارسات البيئية السليمة في الزراعة والمراقبة، مع الحفاظ على الكفاءة الإيكولوجية للنظام الساحلي.

دكتور عادل سليمان

إشراك المجتمع والتدريب الميداني

من أبرز ملامح المشروع، مشاركة المجتمع المحلي في مراحل التنفيذ، حيث تم تدريب 10 من شباب سكان المنطقة على زراعة المانجروف وتقنيات المراقبة البيئية، بالإضافة إلى تنظيم 4 ورش توعية موسعة شارك فيها العشرات من أبناء المجتمعات الساحلية، بهدف بناء وعي بيئي حول أهمية هذه الأشجار في حماية السواحل ودعم الأمن الغذائي والثروة السمكية.

 

توثيق ومراقبة بالأقمار الصناعية

لتعزيز دقة المتابعة، تم تنفيذ عملية توثيق ومسح دقيق بالموقع باستخدام طائرات درون، مع تثبيت نقاط مراقبة لقياس نسب النمو والبقاء ومعدلات نجاح الغرس، وهو ما أتاح إعداد قاعدة بيانات علمية شاملة تدعم استمرارية المشروع.

أهمية استراتيجية

يشير التقرير إلى أن أشجار المانجروف تلعب دورًا مزدوجًا: فهي تحجز كميات هائلة من الكربون تفوق ما تحتجزه الغابات البرية بخمسة أضعاف، كما تحمي الشواطئ من التآكل والعواصف البحرية، وتعمل كحاضنة طبيعية لمئات الأنواع البحرية والطيور المهاجرة.

وأوضح التقرير أن هذه الغابات باتت تشكّل ركيزة أساسية في تنفيذ مفاهيم “الاقتصاد الأزرق” الذي يربط بين الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، خاصة في المجتمعات الساحلية ذات الموارد المحدودة.

صورة تعبر عن التغيرات المناخية

التحديات والتوصيات

رغم النجاح المرحلي، أشار التقرير إلى تحديات لوجستية من بينها صعوبة النقل والوصول إلى المواقع بسبب طبيعة الأرض والمد والجزر، بالإضافة إلى محدودية الموارد المالية، ما يستدعي مزيدًا من الدعم المؤسسي والمجتمعي.

واختتم الدكتور عادل سليمان تصريحه بدعوة إلى تعميم التجربة في مناطق أخرى داخل مصر، مؤكدًا أن المشروع نموذج ناجح لما يمكن أن تحققه الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني حين تتجه الأنظار نحو الحلول القائمة على الطبيعة، لا كمجرد خيار بيئي، بل كضرورة إنمائية شاملة.

دور محوري

يذكر أن غابات المانجروف تمتد على سواحل البحر الأحمر في مصر بمساحة تُقدّر بنحو 175 كم²، متركزة في محميات مثل وادي الجمال ونبق. وتتكون أساسًا من نوع Avicennia marina المعروف بقدرته العالية على تخزين الكربون حتى 226 غرامًا من الكربون لكل متر مربع سنويًا، أي ما يعادل 3–5 أضعاف الغابات البرية. تلعب هذه الغابات دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد الأزرق من خلال حماية التنوع البيولوجي، وتوفير مواطن للأسماك والطيور المهاجرة، وجذب السياحة البيئية، رغم ما تواجهه من تهديدات كالرعي الجائر والتلوث. وقد شهدت جهود الترميم توسعًا ملموسًا بإضافة نحو 600 فدان من المانجروف بعد عام 2017.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *