تشهد الولايات المتحدة تحولًا دراميًا في أسواق اللحوم الحمراء، حيث سجّلت الأسعار قفزات تاريخية غير مسبوقة خلال مايو 2025، وفقًا لبيانات رسمية صادرة عن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، في ظل أزمة مركّبة ناتجة عن تدهور المعروض المحلي من الماشية، وتقلبات مناخية حادة، وتكاليف إنتاج آخذة في الارتفاع.
ووفقًا للبيانات، بلغ متوسط سعر اللحم البقري المفروم 5.98 دولار للرطل، بزيادة تجاوزت 16.2% على أساس سنوي، في مؤشر واضح على تصاعد الضغوط التضخمية التي يعاني منها المستهلك الأمريكي، خاصة في قطاع الغذاء، الذي بات الأكثر تقلبًا منذ جائحة كورونا.
تراجع غير مسبوق في أعداد الماشية منذ خمسينيات القرن الماضي
الأسباب الجذرية لأزمة الأسعار تعود إلى تراجع أعداد رؤوس الماشية في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1951، في ظل موجات جفاف ممتدة ضربت مناطق الرعي الرئيسية في الجنوب والغرب الأمريكي، ما دفع آلاف المزارعين إلى بيع مواشيهم مبكرًا نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف والمياه ونقص الموارد.
هذا الانخفاض في أعداد الماشية يُعد تطورًا هيكليًا خطيرًا في قطاع الإنتاج الحيواني الأمريكي، حيث تتوقع وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) أن يستمر انخفاض القطيع حتى 2026، مما يضغط على قدرة السوق على الاستجابة لأي صدمات مستقبلية في الطلب أو العرض.
تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار الطاقة يزيدان الضغوط
بجانب الجفاف، تُفاقم تكاليف الأعلاف والطاقة والنقل الأزمة، حيث ارتفعت أسعار الذرة وفول الصويا، وهما المكونان الأساسيان في علف الماشية، مدفوعة بتغيرات السوق العالمية والنزاعات التجارية.
كما أدى ارتفاع أسعار الوقود والنقل إلى زيادة تكلفة إيصال اللحوم إلى مراكز التوزيع، مما انعكس مباشرة على أسعار التجزئة، رغم محاولات بعض الشركات امتصاص جزء من الضغوط السعرية للحفاظ على مستويات الطلب.
انعكاسات دولية: أزمة أمريكية.. بأبعاد عالمية
الولايات المتحدة تُعد أحد أكبر منتجي ومصدري اللحوم الحمراء في العالم، وأي خلل في توازن العرض والطلب لديها ينعكس على الأسواق العالمية، لا سيما في الشرق الأوسط وآسيا.
ويحذر خبراء من أن استمرار هذه الأزمة قد يؤدي إلى تضخم غذائي عالمي جديد، خاصة في الدول المعتمدة على استيراد اللحوم والمنتجات الحيوانية من السوق الأمريكية. كما قد يتزايد الضغط على البدائل، مثل لحوم الدواجن أو اللحوم المستوردة من أمريكا الجنوبية، مما يعيد تشكيل خريطة التجارة الغذائية الدولية.
الطلب المحلي الأمريكي تحت الضغط
من الناحية الاجتماعية، تواجه الأسر الأمريكية تراجعًا في القوة الشرائية نتيجة تآكل الدخول، الأمر الذي دفع العديد من المستهلكين إلى تقليص استهلاكهم للحوم الحمراء أو التوجه إلى البدائل الأرخص، مثل الدواجن أو اللحوم المصنعة، وهو ما يُهدد الصناعات المرتبطة بسلسلة القيمة الخاصة بقطاع اللحوم.
الاستجابة الحكومية: محدودة حتى الآن
حتى الآن، لم تُعلن الإدارة الأمريكية عن تدخلات مباشرة لمعالجة الأزمة، باستثناء دعم محدود للمزارعين في المناطق المتضررة من الجفاف. وفي المقابل، بدأت بعض الولايات، مثل تكساس وكاليفورنيا، إجراءات استثنائية لإدارة الموارد المائية والحد من خسائر القطيع، في انتظار خطة اتحادية متكاملة.
أزمة مركبة بأبعاد مناخية واقتصادية وغذائية
تشير أزمة اللحوم الحمراء في الولايات المتحدة إلى أزمة هيكلية في سلاسل الإمداد الغذائي التقليدية، وتكشف عن هشاشة أنظمة الإنتاج الحيواني أمام التغيرات المناخية. ومع تصاعد الطلب العالمي على الغذاء وتقلص الموارد الطبيعية، فإن القدرة على تحقيق التوازن بين العرض والطلب ستظل تحديًا استراتيجيًا يتطلب حلولًا متعددة، تشمل الابتكار الزراعي، وتوسيع الرقعة الزراعية، والاستثمار في الاستدامة، وتعزيز الأمن الغذائي المحلي والدولي.
التعليقات