تُمثل محطة الضبعة النووية، الواقعة على الساحل الشمالي بمحافظة مطروح، حجر الزاوية في طموح مصر لتحقيق أمن الطاقة وتعزيز التنمية المستدامة، حيث أن هذا المشروع الضخم، الذي ينفذ بالشراكة مع شركة “روساتوم” الروسية، يعد أكبر استثمار نووي في الشرق الأوسط، ويرسخ مكانة مصر كرائدة إقليمية في الطاقة النظيفة.
ومع تقدم الأعمال الإنشائية لمحطة الضبعة النووية، وفق الجدول الزمني، تتجه الأنظار نحو هذا المشروع التاريخي الذي يُعيد تشكيل مستقبل الطاقة في المنطقة بالكامل، وفي هذا التقرير من بانكير، نستعرض تفاصيل محطة الطاقة النووية في الضبعة، والتطرف إلى الفائدة منها والجدوى الاقتصادية لها، وما ستحققه لمصر من مكاسب في ملفي الكهرباء والغاز.
محطة الضبعة النووية.. الحلم يتحقق
تعود فكرة إنشاء محطة الضبعة إلى خمسينيات القرن الماضي، لكنها تبلورت فعليًا في نوفمبر 2015، حين وقّعت مصر وروسيا اتفاقية تعاون لبناء المحطة بتكلفة 29 مليار دولار، وفي ديسمبر 2017، وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين حجر الأساس الرمزي للمشروع، فيما انطلقت الأعمال الإنشائية فعليًا في يوليو 2022، مع صب الخرسانة الأساسية للوحدة الأولى.

تفاصيل إنشاء محطة الضبعة النووية
محطة الضبعة النووية تضم 4 مفاعلات من طراز VVER-1200 (الجيل الثالث المطور) بقدرة إنتاجية إجمالية تبلغ 4800 ميجاوات، ما يسمح بإنتاج أكثر من 35 مليار كيلووات-ساعة سنويًا.
وبحسب الدكتور أمجد الوكيل، رئيس هيئة المحطات النووية، فإن التشغيل التجريبي للوحدة الأولى مقرر له النصف الثاني من عام 2027، على أن يدخل التشغيل التجاري في سبتمبر 2028، وتُستكمل باقي الوحدات تباعا على أن ينتهى تشغيل الوحدات بالكامل بحلول عام 2030.
وشهدت الأعمال الإنشائية تقدما بارزا يعكس التزام الجانبين المصري والروسي بتحقيق أعلى المعايير العالمية، حيث تم تركيب “مصيدة قلب المفاعل” للوحدة الأولى، في أكتوبر 2023، وهي تقنية متقدمة لاحتواء المواد المشعة في حالات الطوارئ، مما يعزز معايير الأمان النووي.
وفي نوفمبر 2024، تم الانتهاء من تركيب المصيدة للوحدة الثالثة، بينما شهد أبريل 2025 صب الخرسانة للمستوى الثاني من وعاء الاحتواء الداخلي للوحدة الثانية، ومن المنتظر في نوفمبر 2025 تركيب وعاء المفاعل للوحدة الأولى، وهو حدث وصفه أليكسي ليخاتشوف، مدير “روساتوم”، بأنه “ميلاد المنشأة النووية”.
وفي أغسطس 2024، فازت شركة “المقاولون العرب” بعقد بقيمة 418 مليون دولار لإنشاء حاجز أمواج بطول 3 كيلومترات، يُعد الأكبر من نوعه في المنطقة، لحماية المحطة من تأثيرات التغيرات المناخية.
كما حصلت هيئة المحطات النووية في يناير 2025 على ترخيص إنشاء منشأة لتخزين الوقود النووي المستنفد بسعة تخزينية تصل إلى 100 عام، مما يُعزز التوجه نحو الاستدامة البيئية، ويُجنب اللجوء إلى أساليب الدفن التقليدية للنفايات النووية.
الأثر الاقتصادي والبيئي لإنشاء محطة الضبعة النووية
تسهم محطة الضبعة في تحقيق مستهدفات رؤية مصر 2030، من خلال توفير طاقة نظيفة ومستدامة تقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ووفقًا للتقديرات الرسمية، ستوفر المحطة ما بين 7.2 و7.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، مما يُسهم في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة ودعم جهود التحول إلى الاقتصاد الأخضر، كما ستوفر تغذية كهربائية مستقرة للصناعات كثيفة الاستهلاك، مما سيتعزز استقرار الشبكة القومية للكهرباء.
واقتصاديًا، يُمثل المشروع قوة دافعة للتنمية المحلية، ففي يوليو 2025، أعلن وزير العمل محمد جبران عن توفير 1787 فرصة عمل جديدة في المشروع، تشمل وظائف فنية متخصصة مثل الحدادة والنجارة المسلحة، بالإضافة إلى 6200 فرصة توظيف سنوية بالتعاون مع شركات الإنشاءات، ما يُعزز من فرص العمل في محافظة مطروح، ويُسهم في نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر المصرية.
الأمان أولا.. تصميمات محطة الضبعة النووية بالمعايير الدولية
تراعي تصميمات محطة الضبعة أعلى معايير السلامة الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تشمل أنظمة أمان سلبية متقدمة، قادرة على التعامل مع الكوارث الطبيعية أو الحوادث الكبرى مثل الزلازل أو اصطدام الطائرات.
كما تم الاستفادة من دروس كارثة “فوكوشيما”، لضمان عدم تكرارها، من خلال تصميم احترازي يضمن الحماية التامة للبيئة والمجتمع المحلي.
وتدار النفايات النووية من خلال تخزين الوقود المستنفد في حاويات مُخصصة لفترة تزيد عن 60 عاما، مع إمكانية إعادة تدويره لاحقًا، ما يُقلل الأثر البيئي ويُعزز الاستدامة.
ورغم هذه التدابير، أثيرت بعض المخاوف بشأن التأثيرات البيئية والأمنية، إلا أن السلطات المصرية أكدت التزامها الكامل بتطبيق أنظمة صارمة تُحافظ على البيئة وسلامة المنشأة.

محطة الضبعة النووية: العاملون يسابقون الزمن
ويمثل مشروع محطة الضبعة النووية بوابة مصر نحو الانضمام للنادي الدولي للدول المنتجة للطاقة النووية السلمية، لتُصبح من بين القلة القليلة في القارة الأفريقية والعالم العربي التي تمتلك هذه التكنولوجيا المتقدمة.
مع اقتراب تركيب وعاء المفاعل الأول في نوفمبر 2025، تتسارع وتيرة العمل في محطة الضبعة لتحقيق الحلم المصري النووي، فهذا المشروع ليس مجرد منشأة للطاقة، بل هو رمز لشراكة استراتيجية بين القاهرة وموسكو، وخطوة نوعية نحو مستقبل مستدام.
وبحلول عام 2030، يتوقع أن تعيد محطة الضبعة رسم ملامح قطاع الطاقة في مصر، لتسهم في دعم الاقتصاد الوطني، وتوفير بيئة نظيفة وآمنة للأجيال المقبلة.
التعليقات