
الحديث عن الانتحار لا يزال من أكثر المواضيع حساسية في مجتمعاتنا العربية، ويُحيط به الكثير من الوصم والسكوت. ومع ذلك، فإن تجاهل هذا الموضوع أو الخوف من طرحه لا يقلل من خطورته، بل قد يجعلنا نفقد أحبابنا دون أن نفهم السبب الحقيقي وراء معاناتهم. معرفة العلامات المبكرة التي تشير إلى نية الانتحار يمكن أن تُحدث فرقًا جوهريًا، بل قد تنقذ حياة.
الانتحار لا يحدث فجأة في معظم الأحيان، بل تسبقه إشارات وسلوكيات قد تبدو بسيطة أو غير مهمة، لكنها تحمل بين طياتها نداء استغاثة خفي. إليك فيما يلي 8 علامات نفسية وسلوكية رئيسية قد تدل على أن شخصًا ما في حياتك يعاني بصمت وقد يكون في خطر الانتحار.
1. السلوك المؤذي والمتهور
من أبرز العلامات التي تستحق الانتباه هي قيام الشخص بأفعال مؤذية لنفسه أو متهورة بشكل متعمد. قد يبدأ في تعاطي المخدرات، أو الإفراط في تناول الكحول، أو حتى اللجوء إلى إيذاء نفسه جسديًا. هذا السلوك ليس فقط تمردًا على الواقع، بل هو غالبًا انعكاس لشعور داخلي بأن الحياة فقدت معناها. قد يشعر هذا الشخص أنه فقد السيطرة على كل شيء، فيلجأ إلى المخاطرة بحياته وكأنها لم تعد تهم. إذا لاحظت ذلك على شخص قريب منك، لا تتردد في الوصول إليه والتحدث معه، وذكّره بأن حياته ثمينة، وبأن وجوده له قيمة لا يمكن تعويضها.
2. الانسحاب المفاجئ من الهوايات والأنشطة
الهوايات والأنشطة التي كان الشخص يحبها في السابق، إذا بدأ في تجاهلها أو التهرب منها، فهذا قد يشير إلى مشكلة أعمق. الانسحاب لا يعني فقط الملل أو تغير الاهتمام، بل قد يكون إشارة إلى حالة من الاكتئاب أو الحزن الشديد. فعندما يتوقف الشخص عن ممارسة الأمور التي كانت تجلب له المتعة، فقد يكون ذلك نتيجة لشعور داخلي بالخدر أو اللامبالاة الناتجة عن أزمة نفسية. إذا شعرت أن شخصًا ما يتفادى الخروج، يختلق الأعذار لتجنب اللقاءات، ولا يتفاعل مع ما كان يحبه من قبل، فكن بجانبه، وافهم أسبابه الحقيقية دون إصدار الأحكام.
3. تغيرات واضحة في المظهر الشخصي
من الإشارات المهمة التي غالبًا ما يتم تجاهلها هي الإهمال في النظافة الشخصية أو المظهر الخارجي. الشخص الذي يفكر بالانتحار قد يتوقف عن الاهتمام بشكله، فلا يهتم بتصفيف شعره، أو بارتداء ملابس نظيفة أو مناسبة، وقد يتجاهل تناول الطعام أو العناية بصحته. هذه التصرفات لا تأتي من فراغ، بل تعكس نظرة داخلية قاتمة تجاه الذات، وشعور بانعدام القيمة. إذا لاحظت أن شخصًا ما بدأ يتخلى عن روتينه اليومي المعتاد، فافتح معه حوارًا لطيفًا وكن داعمًا.
4. اضطراب في النوم أو الإرهاق الدائم
النوم هو مرآة الصحة النفسية. فعندما يعاني الشخص من الأرق، أو ينام لساعات طويلة غير معتادة، أو يشعر بالإرهاق الدائم، فقد تكون تلك علامات على وجود صراع نفسي داخلي. القلق المزمن، والاكتئاب، والمشاعر السلبية المفرطة، كلها تؤثر بشكل مباشر على جودة النوم. وقد يكون ذلك مؤشرًا قويًا على وجود ميول انتحارية، خصوصًا إذا تزامن مع أعراض أخرى. لذلك، إذا لاحظت أن أحدًا يعاني من اضطرابات نوم واضحة، فلا تتجاهل الأمر، بل حاول معرفة الأسباب من خلال حوار هادئ ومتفهم.
5. الانسحاب العاطفي وفقدان التواصل
من أكثر العلامات المؤثرة والتي تُرعب الأحبة من الداخل هي الانسحاب العاطفي. الشخص الذي كان يحب الحديث والمشاركة والمزاح، يتحول إلى شخص صامت، منغلق على ذاته، يبتعد تدريجيًا عن الدوائر الاجتماعية. قد تشعر أنه يرفض التحدث أو يرد بإجابات مقتضبة، أو لا يعود مهتمًا بالمناقشات العاطفية العميقة التي اعتدت عليها معه. هذا الانسحاب قد يعني أنه يشعر بالوحدة أو أنه لا يثق بأن أحدًا قادر على مساعدته. من المهم جدًا في هذه اللحظات أن تؤكد له أنك موجود دائمًا، وأنه ليس وحيدًا.
6. نوبات من الغضب أو الحزن الشديد دون سبب واضح
قد يتحول الشخص إلى كائن مليء بالغضب أو الحزن الشديد، ويظهر انفعالات مبالغ فيها تجاه مواقف بسيطة. إذا كان شخص تعرفه بدأ يثور بسرعة، أو يبكي بدون سبب واضح، أو بدا مستاء طوال الوقت، فقد يكون ذلك علامة على وجود صدمة نفسية أو أزمة داخلية. من السهل أن نحكم على هذه التغيرات بأنها “تقلبات مزاجية” أو “مرور بمرحلة”، لكن الحقيقة أن هذه التفاعلات قد تكون صرخة لطلب المساعدة. كن حذرًا، وبدلًا من انتقاده، حاول التقرب منه وسؤاله عن أسباب مشاعره.
7. هدوء غير مبرر بعد فترة من الاضطراب
قد يبدو الأمر غريبًا، ولكن أحيانًا يكون الهدوء المفاجئ بعد فترة طويلة من الاضطرابات علامة خطيرة جدًا. ذلك لأن الشخص الذي يتخذ قرارًا نهائيًا بالانتحار قد يشعر بنوع من “السلام الداخلي” أو الراحة، وكأن قراره هذا أزال عنه حملًا ثقيلًا. قد تلاحظ أنه بدأ يقول جمل مثل: “سينتهي كل شيء قريبًا” أو “ما فيش داعي للقلق عليّ”. هذا النوع من التصريحات يجب أن يدق ناقوس الخطر. لا تتردد في مواجهته والتعبير عن قلقك عليه.
8. الاستعداد للرحيل وتوديع من يحبهم
من أقوى الإشارات التي تكشف عن نية الانتحار هو أن يبدأ الشخص في ترتيب شؤونه الشخصية، أو التخلي عن ممتلكاته، أو قول عبارات وداعية مثل “أردت دائمًا أن أخبرك…” أو “تذكرني دايمًا كذا…”. قد يبدو ذلك غير واضح في البداية، لكنه يحمل بين طياته رسالة وداع. من المهم هنا أن تلاحظ التفاصيل الصغيرة، كترتيب أوراقه، أو رغبته المفاجئة في الاعتراف بكل شيء، أو تواصله مع أشخاص لم يتحدث إليهم منذ زمن طويل. كلها إشارات لا يجب أن تمر مرور الكرام.
الانتحار لا يحدث في لحظة، بل هو نتيجة تراكمات ومشاعر لم تجد من يستمع إليها. السؤال لا يؤذي، بل العكس تمامًا. قد تكون جملة بسيطة منك مثل “أنا هنا لو احتجتني” بمثابة الحبل الذي يُمسك به شخصٌ على وشك السقوط.
إذا كنت تعرف أحدًا ظهرت عليه واحدة أو أكثر من هذه العلامات، فاقترب منه، تحدث معه، وكن بجانبه. لا تنتظر أن يطلب المساعدة – فقط أظهر له أنك موجود.
تذكر أن الوقاية تبدأ بالوعي، والمساندة تنقذ الأرواح.
التعليقات